سلام عليكم
كنت نائماً في ليلة من ليالي الشتاء الباردة، من بعد نصب وتعب من مشاغل الدنيا -وما أكثرها-**.
*
*
وقد استلقيت على فراشي وغرقت في نوم عميق جداً، فاستيقظت قبيل الفجر من عطش شديد ألمّ بي. فقمت ﻷشرب الماء، فسمعت أنيناً يخرج من اﻷرض! فتلفّت حولي، فذهب اﻷنين، ثم ذهبت وشربت الماء وعدت إلى الفراش، وإذا باﻷنين يعود مرة أخرى! وفي هذه المرة كان اﻷنين قوياً وكأنه صوت بكاء.
فتحسّست اﻷرض بيدي، حتى أمسكت "سجادتي" فسكتت، فقلت مستغرباً: أأنت التي تأنين يا سجادتي؟!
قالت: نعم..
قلت: ولماذا؟
قالت: قد أيقظك عطشك وشربت من الماء حتى ارتويت، وأنا بحاجة إلى الماء وﻻ أجد من يرويني الماء!!
قلت: وهل تريدين أن أحضر لكِ كأساً من الماء؟
قالت: ﻻ.. ليس هذا الماء الذى يرويني، إنما ترويني دموع العابدين التائبين.
قلت: ومن أين لي أن آتي لك بهذا النوع من الماء؟
قالت: وهذا هو سبب بكائي، فقم يا عبد الله وصلِّ لله ركعتين في ظلمة الليل؛ حتى تنير لك ظلمة القبر والجزاء من جنس العمل، ولم يبقَ من الوقت إﻻ القليل وبعدها يؤذن لصﻼة الفجر**.
*
*
قلت: دعيني وشأني يا سجادتي.
قالت: يا عبد الله قم لصﻼة الفجر فإنها حياة للقلب والروح، وقد حان موعد اﻷذان ليردد "الصﻼة خيرمن النوم"، وأنت تستجيب لنداء الدنيا كل يوم بالليل وبالنهار وﻻ تستجيب لنداء العزيز القهار؟!!
قلت متضايقاً: دعيني أنام يا سجادتي.. فأنتِ تشاهديني كل يوم ﻻ أعود إﻻ وأنا مرهق متعب. ثم أخذ اللحاف ووضعه على صدره فشعر بالدفء واستسلم لسلطان النوم.
قالت: يا عبد الله، وهل تعطي للدنيا أكثر مما تعطيه لدينك؟
قلت بلغة تهكمية: اسكتي ياسجادتي، أرجوك ﻻ تتكلمي؛ فإنني متعب ومرهق وأريد أن أنام..
فسكتت السجادة برهة متأثرة بما قاله عبد الله وقالت بصوت حزين: آه لرجال الفجر!! آه لرجال الفجر!!
ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: « لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها (يعني الفجر والعصر) ». رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم « من صلى البردين دخل الجنة ». رواه البخاري ومسلم.
وقال أيضاً عليه الصﻼة والسﻼم:« ليس صﻼة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما ﻷتوهما ولو حبواً ». رواه البخاري.
فانتبه عبد الله من غفلته وقال: فعﻼً إن صﻼة الفجر مهمة.
السجادة: قم يا عبد الله.. قم.
قال: غداً أبدأ إن شاء الله، ولكن اتركيني اليوم ﻷنام فأنا مرهق.
السجادة -وهي متحسرة-: "من لم يعرف ثواب اﻷعمال ثقلت عليه في جميع اﻷحوال"
ثم قالت: ستنام غداً في قبرك كثيراً يا عبدالله، وتذكر كﻼمي ونصحي.
ثم تركته ونام عبد الله ولكن!! كانت أطول نومة ينامها في حياته، فقد قبض من تلك الساعة..
فأنشدت السجادة حين علمت بموته قائلة:*