لقد جاء تحريم الأغاني في كتاب الله تعالى في عدة مواضع ، علمها من علمها وجهلها من جهلها ، وإليكم الآيات واحدة تتلو الأخرى ، أما الآية الأولى فهي قوله تعالى : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين } ، ولهو الحديث هو الغناء كما فسره ابن مسعود قال : والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء ، رددها ثلاثاً [ رواه ابن جرير والحاكم بسند حسن / المنتقى النفيس 302 ] ، وقال ابن عباس : نزلت في الغناء وأشباهه [ رواه ابن جرير وابن أبي شيبة بسند قوي / المنتقى النفيس 302 ].
والآية الثانية قوله تعالى : { وأنتم سامدون } ، قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما : سامدون في لغة أهل اليمن لغة حمير هو الغناء [ رواه ابن جرير والبيهقي بسند صحيح / المنتقى النفيس 302 ]، يقال : سمد فلان إذا غنى .
والآية الثالثة قوله تعالى : { واستفزز من استطعت منهم بصوتك } ، قال مجاهد : بصوتك : أي الغناء والمزامير . فالغناء صوت الشيطان ، والقرآن كلام الرحمن ، فاختر أي الكلامين تريد وتسمع .
والآية الرابعة قوله تعالى : " واجتنبوا قول الزور " قال محمد بن الحنفية : هو الغناء .
والآية الخامسة قوله تعالى : " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية " قال بعض العلماء : المكاء : التصفيق ، والتصدية : الصفير ، فقد وصف الله أهل الكفر والشرك بتلك الصفات ، التي يجب على المسلم مخالفتها واجتنابها .
ثانياً : من السنة النبوية
أما الأدلة على تحريم الأغاني من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فهي كثيرة ، وإليكم ما وقفت عليه من تلك الأدلة :
قال صلى الله عليه وسلم : " لا تبيعوا القينات ( المغنيات ) ، ولا تشتروهن ، ولا تعلموهن ، ولا خير في تجارة فيهن ، وثمنهن حرام ، وفي مثل هذا أنزلت هذه الآية : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين } [ السلسلة الصحيحة 2922 ].
وقال عليه الصلاة والسلام : " صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة : مزمار عند نعمة ، ورنة عند مصيبة " [ أخرجه البزار من حديث أنس ورجاله ثقات ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : " إني لم أنه عن البكاء ، ولكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند نعمة : لهو ولعب ، ومزامير الشيطان ، وصوت عند مصيبة : لطم وجوه ، وشق جيوب ، ورنة شيطان " [ أخرجه الترمذي والبزار والمنذري والقرطبي وابن سعد والطيالسي وهو حديث حسن ] قال ابن تيمية رحمه الله : والصوت الذي عند النعمة : هو صوت الغناء .
وعن عبدالله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله عز وجل حرم الخمر ، والميسر ، والكوبة ، والغبيراء ، وكل مسكر حرام " [ أخرجه أبو داود والطحاوي والبيهقي وأحمد وغيرهم ، وصححه الألباني رحمه الله ] ، وقال علي بن بذيمة : الكوبة : هي الطبل .
وقال صلى الله عليه وسلم : " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر ( كناية عن الزنا ) والحرير والخمر والمعازف ( آلات اللهو والطرب والغناء ) " [ رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم ] .
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون في أمتي قذف ، ومسخ ، وخسف " قيل : يا رسول الله ومتى يكون ذلك ؟ ، قال : " إذا ظهرت المعازف ، وكثرت القيان ، وشربت الخمر " [ أخرجه الترمذي وغيره وهو حديث صحيح لغيره ] .
وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أنه سمع صوت زمارة راع ، فوضع إصبعيه في أذنيه ، وعدل راحلته عن الطريق ، وهو يقول : يا نافع ! أتسمع ؟ فأقول : نعم ، فيمضي ، حتى قلت : لا ، فوضع يديه ، وأعاد راحلته إلى الطريق ، وقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع زمارة راع ، فصنع مثل هذا . [ رواه أبو داود والبيهقي بسند حسن / المنتقى النفيس 304 ] .
الله أكبر يا عباد كيف تضافرت الأدلة على تحريم الأغاني والموسيقى ، فهل بعد هذا البيان من عذر لمن استمع لذلك الهذيان ، وهل بعد هذه الأدلة الصحيحة من عودة إلى دين الله صريحة .
ثالثاً : قول السلف
أيها المسلمون : ومن الآثار التي تدل على تحريم الغناء ما قاله بن مسعود رضي الله عنه : " الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء العشب " [ رواه أبو داود وهو أثر صحيح ] .
وقال بن عمر لقوم مروا به وهم محرمون وفيهم رجل يتغنى : " ألا لا سمع الله لكم ، ألا لا سمع الله لكم " ، وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى عمر بن الوليد كتاباً فيه : . . وإظهارك المعازف والمزمار بدعة في الإسلام ، ولقد هممت أن أبعث إليك من يجز جمتك جمة سوء " [ أخرجه النسائي وأبو نعيم بسند صحيح ]
وسئل القاسم بن محمد عن الغناء فقال للسائل : " أنهاك عنه وأكرهه لك " قال : أحرام هو ؟ قال : أنظر يا بن أخي إذا ميز الله الحق من الباطل ففي أيهما يجعل الغناء ؟ ، وقال الشعبي : " لُعن المغني والمغنى له " وقال الضحاك : " الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب " ، وقال يزيد بن الوليد : " يا بني أمية ! إياكم والغناء ، فإنه يزيد الشهوة ، ويهدم المروءة ، وإنه لينوب عن الخمر ، ويفعل ما يفعل السَّكَر ، وقال أبو الطيب الطبري : كان أبو حنيفة يكره الغناء ، ويجعل سماعه من الذنوب ، وقال أبو يوسف من الحنفية : " يمنعون من المزامير وضرب العيدان والغناء والصنوج ـ وهو ضرب النحاس بعضه ببعض ـ والطبول . . " وقال في الهداية : " ويمنع من يغني الناس لأنه يجمعهم على كبيرة " ، وسئل الإمام مالك رحمه الله عن الغناء فقال : " إنما يفعله عندنا الفساق " ، وقال الشافعي رحمه الله : " تركت بالعراق شيئاً أحدثه الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به عن القرآن " والتغبير : هو عبارة عن الضرب بقضيب أو نحوه على جلد يابس ، وإنشاد أشعار ربانية مرققة للقلوب كما يفعله الصوفية ، ومع ذلك وصفهم بالزنادقة ، فكيف لو رأى ما أحدثه الناس في زماننا من الاستماع للغناء الفاحش المصاحب للموسيقى ، والرقص على الدفوف ، والربابات وغيرها من آلات الصد عن *** الله وعن القرآن ، بل وحتى عن أعظم أركان الإسلام ألا وهو الصلاة ، كيف لو اطلع رحمه الله على شباب اليوم وهم في غفلة عن الدين وإعراض عن سنة النبي الكريم ، بل واستهزاء بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، وإعراض عن *** الله ، وسخرية بكلام الله ، وقد كفر الله فاعل ذلك فقال تعالى : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لاتَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُم